مررت بالعديد من المغامرات التجارية، الكثير منها فشل، والبعض منها نجح والحمدلله، لكن أهم ما ربحته من هذه المغامرات هو ليس المال الوفير، بل الخبرة التجارية. بعض هذه المشاريع كان فشله ذريع ومؤلم، ومثل هذه التجارب هي التي علمتني أهم الدروس التجارية. قبل ٣ أعوام تقريباً توصلت لثلاثة قوانين استخدمها لتحديد ما إذا كان المشروع يستحق عناء المحاولة أم لا. هذه القوانين تنطبق بشكل كبير على مجال تخصصي (الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات)، ولكنها قد تنطبق على تخصصات أخرى.
١. بيع الخدمة أفضل من بيع المنتج. (Service) وقد توصلت لهذا الدرس بعد فشل واجهته في عام ٢٠٠٣ عندما كان لدي متجر إلكتروني في أمريكا أبيع فيه بعض المنتجات، وقد خسرت الكثير من المال في تكديس البضاعة في شقتي، وكان رأس مالي مجمد في البضاعة مما زاد من المخاطرة في المشروع وقيد حركة السيولة لدي. في النهاية قدمت معظم بضاعتي كهدايا للأصدقاء بعد أن فشلت في بيعها. يومها قررت الابتعاد عن بيع المنتجات، والتركيز على بيع الخدمات خصوصاً وأن الهامش الربحي فيها أعلى، ولا يوجد فيها تخزيين للبضائع، ويمكن التميز فيها ببراعة مما يجعل تقليد الخدمة من قبل المنافسين أمر في غاية الصعوبة.
٢. بيع خدمة قابلة للنمو والتوسع. (Scalable) في عام ٢٠٠٤ افتحت مكتب متواضع في ولاية واشنطن بهدف تقديم الحلول التقنية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وقد كان المشروع ناجح بشكل كبير جداً، حيث حصلت على العديد من العملاء بعضهم لا يزال يرسل لي مبالغ مالية مقابل ترخيص استخدام خدماتي حتى يومنا هذا. لكن المشكلة التي واجهتني في هذا المشروع هو أنه كان محدود التوسع، أي أن الخدمة التي أقدمها لعميل لا يمكن أن تناسب عميل آخر، بل كل عميل يطلب مني عمل خاص وفي كل صفقة أبدأ العمل من الصفر، وهذا كان يأخذ مني وقت ومجهود كبير، وكان سبب في تحديد مدى النجاح الذي يمكن الوصول إليه. بعد فترة، قررت أن المشروع لا يحقق طموحاتي للمرحلة القادمة، فقمت بإغلاق المكتب، والبحث عن فرصة جديدة.
٣. يجب أن تتم عملية البيع بشكل آلي. (Automated) هذه النقطة لا زالت أكبر تحدي لي حتى الآن، معظم مشاريعي أعتمد فيها على قدراتي في البيع والإقناع، وهذا الموضوع عادة ما يشكل عنق زجاجة لنمو المشروع. طبعاً، قد استطيع توظيف مجموعة من الشباب الماهر في البيع لتوسيع عنق الزجاجة، لكني أطمح لأن أطور خدمة لا تحتاج إلى فريق مبيعات، بل تقوم ببيع نفسها بنفسها. لم أستطع تطبيق هذا القانون في أي من مشاريعي السابقة، والآن أعمل بجهد كبير على تطبيقه في عقار ماب.
قد يتساءل البعض، هل من الممكن بالفعل توفر هذه الظروف الثلاثة في أي مشروع. الجواب، طبعاً وبكل تأكيد. بصراحة، خدمة الإعلانات من جوجل كانت مصدر إلهامي، فعندما جربتها لأول مرة ورأيت الكم الهائل من المبالغ التي تنفق عليها، ادركت بأن هذا هو أفضل أنواع التجارة. جوجل لا تبيع منتج، بل خدمة (الإعلان)، وهذه الخدمة قابلة للتوسع إلى ما لا نهاية (هو نظام يستطيع عرض عدد غير محدود من الإعلانات)، و عملية البيع تتم بشكل كامل آلياً (لا يتم البيع عن طريق موظف من شركة جوجل، بل يقوم العميل بالدفع للموقع). توفر القوانين الثلاثة في النموذج الربحي لشركة جوجل يدر عليها حالياً مليارات الدولارات بهوامش ربحية غير مسبوقة وبراحة بال تمكنهم من التركيز على تحديات جديدة في عالم تكنولوجيا المعلومات والإنترنت.